Admin Admin
المساهمات : 341 تاريخ التسجيل : 20/08/2008
| موضوع: المخزن والأشباح الأربعاء سبتمبر 24, 2008 1:58 pm | |
| علم السكان بتعيين مدير لمخزن الحبوب الجهوي ؛ وهو شخص مشهود له بالوطنية والحنكة السياسية والدهاء وصدق الولاء ، وامتداد العلاقات الاجتماعية وفصاحة اللسان الفرنسي ما أيأس كل طامع في مزاحمته. كان حازما "بطريقا" له حواس ومهارات تجعله ملك البر والبحر، ولكنه كان يشعر بضعف في جناحيه فخطر بباله أنه لو مرنها قليلا فسيذلل الجو وكان له ذلك. وسير المخزن ثمانية عشرة سنة بتمامها: لياليها ونهاراتها ، كانت كل الوثائق الإدارية تملأ في الوقت ووفق الشروط المنصوص عليها قانونا ، وترسل إلى الجهات المشرفة في شركة الحبوب وإلى الوزارة الوصية في حينه، وكان ينبه عمال المخزن وكتابه في كل فرصة تسمح له بذلك إلى أن الإدارة صارمة ،وإلى أن كل عمل لا تقييده الكتابة فهو غير موجود، وغير منجز ، ولا يمكن التحقق من وجوده حتى وإن كان موجودا، وكل ما أثبتت الكتابة ووجوده فهو موجود ، موجود بحكم الدليل الكتابي ، وكان ِيؤكد لهم أن السيد المدير العام ،والسيد مدير المدير العام أكدا له هذه الحقيقة عدة مرات وهما شخصيتان لا يطعن أحد في كفاءتهما وهو يعتبرهما قدوته ومثاله المأمول. كان المراقبون الذين يكلفون بمراقبة حركة الصادر والوارد من الحبوب ، والوزن ، والمخزون يعرفون من هو السيد بطريق ، ويعرفون أنه حساس ، ويغوص بمجرد شعوره بأي مؤشر يوحي له بالخطر ،وانه إذا غاص لا يظهر إلى السطح إلا بعد يغرق الخطر ويلصق جثتة بعمق البحر، ولذلك وجب عدم الإلحاح في أمور يشعرون أنه يعتبرها حساسة وهذا لا يمنعهم من ملأ الوثائق المتعلقة بالمراقبة والمتابعة في حينه ووفق الشروط المنصوص عليها قانونا. يشك حارس "أبله" من حراس المخزن في أن هناك أمور غير عادية تجري كلما عسعس الليل ولا تتوقف إلا إذا تنفس الصبح. فيقدم شكوى للبطريق الذي يجازيه بمنحه عطلة لمدة شهر كامل يستريح فيها من تأثير مشاهدته للأشباح التي كانت تخرج من المقبرة المجاورة ليلا لتتجول في الأزقة والمعابر المتقاطعة بالقرب من المخزن حتى ترتاح أعصابه ويكف عن الهذيان ويرفع تقريرا في حيته إلى الجهة الوصية بمرض الحارس الذي يغضب للعطلة الإجبارية التي سلطت عليه ، فيقوم برحلة طويلة شاقة ليقدم هلوسته أمام المدير العام الذي كان ينظر أمامه تقارير ذوي الاختصاص ويعاين بأم عينه مرض الحارس ، فيعاقبه ويلوح به بعيدا في إحدى مراكز جمع الحبوب الريفية حيث تنعدم الأشباح. تتطور الشركة ويزداد احتياجها لتوسيع قدرتها على التخزين ويشرع في بناء مخزن جديد وتمضي السنوات ، ويحين يوم الاحتفال بالتدشين فتأتي السيارات الفارهة، وتعزف الأحياء المجاورة موسيقى الترحيب ،وبعد كسر السأم ، وطرد الهم والغم من أحياء المدينة، يقدم المدير تقريره على ملأ من الناس يعلن فيه عن تنامي إنتاج الحبوب وفي مقدمتها القمح مما جعل المخزن القديم عاجزا عن استيعاب إنتاج الموسم المقبل الذي بات على الأبواب، وتذبح الخرفان إقرار بالعرفان. بعد التدشين يتحدد اليوم الذي يبدأ فيه ترحيل مخزون القمح من المخزن القديم نحو ذاك المحتفل بتدشينه، وتتم تهيئة كل الظروف وتوفير كل الشروط والإمكانيات لإتمام عمل الترحيل دون تضييع أي حبة قمح لأنها قوت المواطنين ودرع الأمن الغذائي. في الليلة السابقة على الشروع في الترحيل يشب حريق في المخزن، وينجلي الدخان عن قوالب ترابية على شكل أكياس أنضجتها النار فبدت فى لون آجوري أحمر غاية في الترتيب والتماثل ، ولا غرو فالرجوع للأصل فضيلة يكشف معادن الأشياء. فتح تحقيق و اكتشف المحققون أن سبب الجريمة هو كون مدير المخزن، رغم حنكته التي عكسها نجاحه في حياته الخاصة، ورغم ولائه الذي لا يشك فيه، أمي لا يعرف القراءة والكتابة، وعليه وعقابا له اتخذت السلطات قرارا بإحالته على التقاعد وأمرت بتكوين لجنة تحقيق. | |
|