مخاوف عدة تنتابني ليلا ً كلما نظرت من شرفتي إلى الحديقة الكبيرة المقابلة في روح الشارع، حرارة المساء في تلك الليلة ذكرتني بالشتاء كم أكره الصيف !!
حتى الأشجار تبدو حزينة و مكتئبة تحرك أوراقها بخمول و نعس، شيء ما كان يتحرك ببطء بين أحشاء الشجرة الكبيرة ربما هي قطة تسعى بين أعشاش العصافير تشق طريق لها بين أحلام العصافير الناعسة، تلتهم منها ما تطاله أظافرها، و الأرجح أنها قطة الشارع الولود و لكن تلك الحركة تبدو أكثر رشاقة من حركتها البدينة، لربما أنجبت قطة جديدة تتعلم القنص في تلك الساعة من الليل، كان اهتزاز فرع الشجرة أشبه بزلزال اصطدم لتوه بجذورها و التوابع تلاحقه لتفتك بالحديقة و أحلام الورق الأخضر و منامات العصافير و رحلات السير الليلية لأشباح المدينة الأليفة، لا أتذكر أن لأحدها وجه مخيف على العكس تماما كلها حيادية الملامح لا يصدر وقع أقدامها أدني صوت يعبرها المارون أحيانا فلا تضجر تصدمها السيارات المسرعة فلا تموت من جديد بل تتابع سيرها كأن شيئا لم يحدث، لن أظن في أن أحد تلك الأشباح هو ما يتحرك الآن بين أوراق الشجرة ببساطة لأنها لا تهاجم العصافير فهي ليست من أكلي لحوم البشر أو العصافير و ليست بالنباتية أي لا تجتث الأشجار أو تبتلع براعمها، هذا جسد حي لا شك جسد يعبر مفازة الليل من أجل الشجرة و خصوصا أن أصوات العصافير بدأت تملأ الليل خائفة مرتعدة و الفجر مازال بعيدا ً عن السماء، الجسد المتحرك ازداد توغلا ً بين الأغصان و العصافير ازداد رعبا ً إلا أنها لم تترك أعشاشها و هذا يرجح ما قالته لي إحدى الصديقات من أن العصافير يصيبها العمى في الليل لتترك السماء لقطعان البوم و الصقور و الجارح من الأجنحة، يا ويح تلك العصافير الخائبة لا تحلق بعيدا عن النار أو الموت تكتفي فقط بالغناء و النحيب على قصصها المذبوحة على ضحاياها و صغارها اليتيمة،لم تسكن حركة ذلك الكائن المجهول و لكنها بدأت تصيب نوعاً من الهدوء المقنع بستائر نهاية المهمة و تفاصيلها المشوبة بهدوء ما قبل عاصفة اكتشاف الضحايا - صرير المجنزرات ..فحيح الدخان البارودي..أصوات البيادات تعدو نحو السيارات المصفحة تلملم انسحابها أو نصرها .. زحف الغنائم من أجساد و جروح .. خرير الدم من العنق إلى الأرض – كان المشهد يقترب أكثر من مدى بصري و الجسد الغريب ليس بالقطة أدركت حقيقته تماما ً حين صرخ شارخا ً السماء بصوته و طار فوق رأسي إنها بومة !!